سورة مريم - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (مريم)


        


{قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آَلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46) قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا (48)}
اعلم أن إبراهيم عليه السلام لما دعا أباه إلى التوحيد، وذكر الدلالة على فساد عبادة الأوثان، وأردف تلك الدلالة بالوعظ البليغ، وأورد كل ذلك مقروناً باللطف والرفق، قابله أبوه بجواب يضاد ذلك، فقابل حجته بالتقليد، فإنه لم يذكر في مقابلة حجته إلا قوله: {أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ الِهَتِى ياإبراهيم} فأصر على ادعاء إلهيتها جهلاً وتقليداً وقابل وعظه بالسفاهة حيث هدده بالضرب والشتم، وقابل رفقه في قوله: {يا أبت} [مريم: 44] بالعنف حيث لم يقل له يا بني بل قال: {يا إِبْرَاهِيمَ} وإنما حكى الله تعالى ذلك لمحمد صلى الله عليه وسلم ليخفف على قلبه ما كان يصل إليه من أذى المشركين فيعلم أن الجهال منذ كانوا على هذه السيرة المذمومة، أما قوله: {أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ الِهَتِى ياإبراهيم} فإن كان ذلك على وجه الاستفهام فهو خذلان لأنه قد عرف منه ما تكرر منه من وعظه وتنبيهه على الدلالة وهو يفيد أنه راغب عن ذلك أشد رغبة فما فائدة هذا القول. وإن كان ذلك على سبيل التعجب فأي تعجب في الإعراض عن حجة لا فائدة فيها، وإنما التعجب كله من الإقدام على عبادتها فإن الدليل الذي ذكره إبراهيم عليه السلام كما أنه يبطل جواز عبادتها فهو يفيد التعجب من أن العاقل كيف يرضى بعبادتها فكأن أباه قابل ذلك التعجب الظاهر المبني على الدليل بتعجب فاسد غير مبني على دليل وشبهة، ولا شك أن هذا التعجب جدير بأن يتعجب منه، أما قوله: {لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ واهجرنى مَلِيّاً} ففيه مسائل:
المسألة الأولى: في الرجم هاهنا قولان: الأول: أنه الرجم باللسان، وهو الشتم والذم، ومنه قوله: {والذين يَرْمُونَ المحصنات} [النور: 4] أي بالشتم، ومنه الرجيم، أي المرمي باللعن، قال مجاهد: الرجم في القرآن كله بمعنى الشتم.
والثاني: أنه الرجم باليد، وعلى هذا التقدير ذكروا وجوهاً: أحدها: لأرجمنك بإظهار أمرك للناس ليرجموك ويقتلوك.
وثانيها: لأرجمنك بالحجارة لتتباعد عني.
وثالثها: عن المؤرج لأقتلنك بلغة قريش.
ورابعها: قال أبو مسلم لأرجمنك المراد منه الرجم بالحجارة إلا أنه قد يقال ذلك في معنى الطرد والإبعاد اتساعاً، ويدل على أنه أراد الطرد قوله تعالى: {واهجرنى مَلِيّاً} واعلم أن أصل الرجم هو الرمي بالرجام فحمله عليه أولى، فإن قيل: أفما يدل قوله تعالى: {واهجرنى مَلِيّاً} على أن المراد به الرجم بالشتم؟ قلنا: لا، وذلك لأنه هدده بالرجم إن بقي على قربه منه وأمره أن يبعد هرباً من ذلك فهو في معنى قوله: {واهجرنى مَلِيّاً}.
المسألة الثانية: في قوله تعالى: {واهجرنى مَلِيّاً} قولان:
أحدهما: المراد واهجرني بالقول.
والثاني: بالمفارقة في الدار والبلد وهي هجرة الرسول والمؤمنين أي تباعد عني لكي لا أراك وهذا الثاني أقرب إلى الظاهر.
المسألة الثالثة: في قوله: {مَلِيّاً} قولان: الأول: ملياً أي مدة بعيدة مأخوذ من قولهم أتى على فلان ملاوة من الدهر أي زمان بعيد.
والثاني: ملياً بالذهاب عني والهجران قبل أن أثخنك بالضرب حتى لا تقدر أن تبرح يقال فلان ملي بكذا إذا كان مطيقاً له مضطلعاً به.
المسألة الرابعة: عطف اهجرني على معطوف عليه محذوف يدل عليه لأرجمنك، أي فاحذرني واهجرني لئلا أرجمنك، ثم إن إبراهيم عليه السلام لما سمع من أبيه ذلك أجاب عن أمرين. أحدهما: أنه وعده التباعد منه، وذلك لأن أباه لما أمره بالتباعد أظهر الانقياد لذلك الأمر وقوله: {سلام عَلَيْكَ} توادع ومتاركة كقوله تعالى: {لَنَا أعمالنا وَلَكُمْ أعمالكم سلام عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِى الجاهلين} [القصص: 55]، {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجاهلون قَالُواْ سَلاَماً} [الفرقان: 63] وهذا دليل على جواز متاركة المنصوح إذا ظهر منه اللجاج، وعلى أنه تحسن مقابلة الإساءة بالإحسان، ويجوز أن يكون قد دعا له بالسلامة استمالة له، ألا ترى أنه وعده بالاستغفار، ثم إنه لما ودع أباه بقوله: {سلام عَلَيْكَ} ضم إلى ذلك ما دل به على أنه وإن بعد عنه فاشفاقه باق عليه كما كان وهو قوله: {سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِي} واحتج بهذه الآية من طعن في عصمة الأنبياء، وتقريره أن إبراهيم عليه السلام فعل ما لا يجوز لأنه استغفر لأبيه وهو كافر والاستغفار للكافر لا يجوز، فثبت بمجموع هذه المقدمات أن إبراهيم عليه السلام فعل ما لا يجوز، إنما قلنا إنه استغفر لأبيه لقوله تعالى حكاية عن إبراهيم: {سلام عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِي} وقوله: {واغفر لأَبِى إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضالين} [الشعراء: 86] وأما أن أباه كان كافراً فذاك بنص القرآن وبالإجماع، وأما أن الاستغفار للكافر لا يجوز فلوجهين:
الأول: قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِىّ والذين ءامَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 113].
الثاني: قوله في سورة الممتحنة: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إبراهيم} [الممتحنة: 4] إلى قوله: {لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ} [الممتحنة: 4] وأمر الناس إلا في هذا الفعل فوجب أن يكون ذلك معصية منه، والجواب: لا نزاع إلا في قولكم الاستغفار للكافر لا يجوز فإن الكلام عليه من وجوه:
أحدها: أن القطع على أن الله تعالى يعذب الكافر لا يعرف إلا بالسمع، فلعل إبراهيم عليه السلام لم يجد في شرعه ما يدل على القطع بعذاب الكافر فلا جرم استغفر لأبيه.
وثانيها: أن الاستغفار قد يكون بمعنى الاستماحة، كما في قوله: {قُل لّلَّذِينَ ءامَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ الله} [الجاثية: 14] والمعنى سأسأل ربي أن لا يجزيك بكفرك ما كنت حياً بعذاب الدنيا المعجل.
وثالثها: أنه عليه السلام إنما استغفر لأبيه لأنه كان يرجو منه الإيمان فلما أيس من ذلك ترك الاستغفار ولعل في شرعه جواز الاستغفار للكافر الذي يرجي منه الإيمان، والدليل على وقوع هذا الاحتمال قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِىّ والذين ءامَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِى قربى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أصحاب الجحيم} [التوبة: 113] فبين أن المنع من الاستغفار إنما يحصل بعد أن يعرفوا أنهم من أصحاب الجحيم. ثم قال بعد ذلك: {وَمَا كَانَ استغفار إبراهيم لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} [التوبة: 114] فدلت الآية على أنه وعده بالاستغفار لو آمن، فلما لم يؤمن لم يستغفر له بل تبرأ منه، فإن قيل فإذا كان الأمر كذلك فلم منعنا من التأسي به في قوله: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إبراهيم} [الممتحنة: 4] إلى قوله: {إِلاَّ قَوْلَ إبراهيم لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ} [الممتحنة: 4] قلنا الآية تدل على أنه لا يجوز لنا التأسي به في ذلك لكن المنع من التأسي به في ذلك لا يدل على أن ذلك كان معصية. فإن كثيراً من الأشياء هي من خواص رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يجوز لنا التأسي به مع أنها كانت مباحة له عليه السلام.
ورابعها: لعل هذا الاستغفار كان من باب ترك الأولى وحسنات الأبرار سيئآت المقربين، أما قوله: {إِنَّهُ كَانَ بِى حَفِيّاً} أي لطيفاً رفيقاً يقال أحفى فلان في المسألة بفلان إذا لطف به وبالغ في الرفق، ومنه قوله تعالى: {وإِن يَسْئَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُواْ} [محمد: 37] أي وإن لطفت المسألة والمراد أنه سبحانه للطفه بي وإنعامه عليّ عودني الإجابة فإذا أنا استغفرت لك حصل المراد فكأنه جعله بذلك على يقين إن هو تاب أن يحصل له الغفران. الجواب الثاني من الجوابين قوله: {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله} الاعتزال للشيء هو التباعد عنه والمراد أني أفارقكم في المكان وأفارقكم في طريقتكم أيضاً وأبعد عنكم وأتشاغل بعبادة ربي الذي ينفع ويضر والذي خلقني وأنعم علي فإنكم بعبادة الأصنام سالكون طريقة الهلاك، فواجب على مجانبتكم ومعنى قوله: {عسى أَلا أَكُونَ بِدُعَاء رَبّى شَقِيّا} أرجو أن لا أكون كذلك، وإنما ذكر ذلك على سبيل التواضع كقوله: {والذى أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِى خَطِيئَتِى يَوْمَ الدين} [الشعراء: 82] وأما قوله: {شَقِيّاً} مع ما فيه من التواضع لله ففيه تعريض بشقاوتهم في دعاء آلهتهم على ما قرره أولاً في قوله: {لَمْ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يَبْصِرُ وَلاَ يُغْنِى عَنكَ شَيْئاً} [مريم: 42].


{فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا (49) وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (50)}
اعلم أنه ما خسر على الله أحد فإن إبراهيم عليه السلام لما اعتزلهم في دينهم وفي بلدهم واختار الهجرة إلى ربه إلى حيث أمره لم يضره ذلك ديناً ودنيا، بل نفعه فعوضه أولاداً أنبياء ولا حالة في الدين والدنيا للبشر أرفع من أن يجعل الله له رسولاً إلى خلقه ويلزم الخلق طاعته والانقياد له مع ما يحصل فيه من عظيم المنزلة في الآخرة فصار جعله تعالى إياهم أنبياء من أعظم النعم في الدنيا والآخرة، ثم بين تعالى أنه مع ذلك وهب لهم من رحمته أي وهب لهم من النبوة ما وهب ويدخل فيه المال والجاه والأتباع والنسل الطاهر والذرية الطيبة ثم قال: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً} ولسان الصدق الثناء الحسن وعبر باللسان عما يوجد باللسان، كما عبر باليد عما يعطي باليد وهو العطية، واستجاب الله دعوته في قوله: {واجعل لّى لِسَانَ صِدْقٍ فِي الأخرين} [الشعراء: 84] فصيره قدوة حتى ادعاه أهل الأديان كلهم وقال عز وجل: {مّلَّةَ أَبِيكُمْ إبراهيم} [الحج: 78] {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتبع مِلَّةَ إبراهيم حَنِيفًا} [النحل: 123] قال بعضهم: إن الخليل اعتزل عن الخلق على ما قال: {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله} [مريم: 48] فلا جرم بارك الله في أولاده فقال: {وَوَهَبْنَا لَهُ إسحاق وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِيّاً}.
وثانيها: أنه تبرأ من أبيه في الله تعالى على ما قال: {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إبراهيم لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة: 114] لا جرم أن الله سماه أباً للمسلمين فقال: {مّلَّةَ أَبِيكُمْ إبراهيم} [الحج: 78].
وثالثها: تل ولده للجبين ليذبحه على ما قال: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [الصافات: 103] لا جرم فداه الله تعالى على ما قال: {وفديناه بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107].
ورابعها: أسلم نفسه فقال: {أَسْلَمْتُ لِرَبّ العالمين} [البقرة: 131] فجعل الله تعالى النار عليه برداً وسلاماً فقال: {قُلْنَا يا نَّارُ كُونِى بَرْداً وسلاما على إبراهيم} [الأنبياء: 69].
وخامسها: أشفق على هذه الأمة فقال: {رَبَّنَا وابعث فِيهِمْ رَسُولاً مّنْهُمْ} [البقرة: 129] لا جرم أشركه الله تعالى في الصلوات الخمس، كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم.
وسادسها: في حق سارة في قوله: {وإبراهيم الذي وفى} [النجم: 37] لا جرم جعل موطئ قدميه مباركاً: {واتخذوا مِن مَّقَامِ إبراهيم مُصَلًّى} [البقرة: 125].
وسابعها: عادى كل الخلق في الله فقال: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِى إِلاَّ رَبَّ العالمين} [الشعراء: 77] لا جرم اتخذه الله خليلاً على ما قال: {واتخذ الله إبراهيم خَلِيلاً} [النساء: 125] ليعلم صحة قولنا أنه ما خسر على الله أحد.


{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (51) وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (52) وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا (53)}
(القصة الرابعة قصة موسى عليه السلام)
اعلم أنه تعالى وصف موسى عليه السلام بأمور:
أحدها: أنه كان مخلصاً فإذا قرئ بفتح اللام فهو من الاصطفاء والاختباء كأن الله تعالى اصطفاه واستخلصه وإذا قرئ بالكسر فمعناه أخلص لله في التوحيد في العبادة والإخلاص هو القصد في العبادة إلى أن يعبد المعبود بها وحده، ومتى ورد القرآن بقراءتين فكل واحدة منهما ثابت مقطوع به، فجعل الله تعالى من صفة موسى عليه السلام كلا الأمرين.
وثانيها: كونه رسولاً نبياً ولا شك أنهما وصفان مختلفان لكن المعتزلة زعموا كونهما متلازمين فكل رسول نبي وكل نبي رسول ومن الناس من أنكر ذلك وقد بينا الكلام فيه في سورة الحج في قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِىّ} [الحج: 52].


وثالثها: قوله تعالى: {وناديناه مِن جَانِبِ الطور الأيمن} من اليمين أي من ناحية اليمين والأيمن صفة الطور أو الجانب.
ورابعها: قوله: {وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً} ولما ذكر كونه رسولاً قال: {وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً} وفي قوله: {قربناه} قولان:
أحدهما: المراد قرب المكان عن أبي العالية قربه حتى سمع صرير القلم حيث كتبت التوراة في الألواح.
والثاني: قرب المنزلة أي رفعنا قدره وشرفناه بالمناجاة، قال القاضي: وهذا أقرب لأن استعمال القرب في الله قد صار بالتعارف لا يراد به إلا المنزلة وعلى هذا الوجه يقال في العبادة تقرب، ويقال في الملائكة عليهم السلام إنهم مقربون وأما {وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً} فقيل فيه أنجيناه من أعدائه وقيل هو من المناجاة في المخاطبة وهو أولى.
وخامسها: قوله: {وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هارون نَبِيّاً} قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان هرون عليه السلام أكبر من موسى عليهما السلام، وإنما وهب الله له نبوته لا شخصه وأخوته وذلك إجابة لدعائه في قوله: {واجعل لّى وَزِيراً مّنْ أَهْلِى هارون أَخِى اشدد بِهِ أَزْرِى} [طه: 29-32] فأجابه الله تعالى إليه بقوله: {قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ ياموسى} [طه: 36] وقوله: {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ} [القصص: 35].

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11